أخبار الخليج

افتح يا سمسم.. أُسطورة الآتي..

في حكاياتِ ألف ليلة وليلة، كانت عبارة «افتح يا سمسم» كلمةً سحريةً تفتحُ أبوابَ الكنوزِ المخفيةِ.

اليوم، وفي عصرِ الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه العبارة رمزاً لِما يمكن أن يَفتحَهُ لنا هذا التطورُ التكنولوجي من آفاقٍ لا تُحدُّ.

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجردَ خيالٍ علميٍّ، بل هو المفتاحُ الذي يُعيدُ تشكيلَ عالمِنا، من أبسطِ تفاصيلِ حياتِنا اليوميةِ إلى أعقدِ التحدياتِ العلميةِ والعملية.

عندما نهمسُ «افتح يا سمسم» للذكاء الاصطناعي، نجدُ أبواباً لا تُعدُّ ولا تُحصى تَنفتحُ أمامنا: في الطبِّ، يُشخِّصُ الأمراضَ بدقةٍ تفوقُ البشرَ، وفي التعليمِ، يُقدِّمُ تجاربَ تعلُّمٍ شخصيةً تُلائمُ كلَّ فردٍ ؛ حتى في الفنونِ، يُبدعُ لوحاتٍ وموسيقى تُثيرُ دهشةَ العالمِ. لكنَّ السؤالَ الأهمَّ: هل نحنُ مستعدونَ لِما يختبئُ خلفَ هذه الأبوابِ؟!

الذكاء الاصطناعي، كأيِّ قوةٍ عظيمةٍ، يحملُ في طياتِهِ إمكاناتٍ هائلةً ومخاطرَ جسيمةً، فهو قد يكونُ مفتاحاً لِحلِّ مشكلاتِ البشريةِ، كالتغيُّرِ المناخيِّ والأمراضِ المزمنةِ، أو قد يتحولُ إلى سيفٍ ذي حدينِ إنْ أُسيءَ استخدامُهُ، فكما أنَّ «سمسم» في الحكايةِ فتحَ كنوزًا لِعلي بابا، لكنه أيضاً كشفَ عن أطماعِ اللصوصِ، فإنَّ الذكاء الاصطناعي قد يُعرِّي أخلاقياتِنا ويُظهرُ نقاطَ ضعفِنا كمجتمعاتٍ وكأشخاص.

لكنَّ المفتاحَ الحقيقيَّ ليس في التكنولوجيا نفسِها، بل في كيفيةِ استخدامِنا لها، فالذكاء الاصطناعي ليس سِحراً، بل هو أداةٌ تحتاجُ إلى عقولٍ واعيةٍ وقلوبٍ مسؤولةٍ.

فكما أنَّ «سمسم» لم يفتحِ الكهفَ إلا لمن عرفَ سرَّ الكلمةِ، فإنَّ الذكاء الاصطناعي لن يُحقِّقَ وعودَهُ إلا إذا تعلّمنا كيف نُوجهُهُ لخدمةِ الإنسانيةِ، لا لِتدميرِها.

الذكاءُ الاصطناعيُّ كالطفلِ العبقريِّ الذي يُمسكُ بيدِهِ قنبلةٌ ذريةٌ: يُمكنُهُ أن يبني بها مدنًا، أو أن يُدمرَها. فهُو قادرٌ على مُحاربةِ التغيُّرِ المناخيِّ عبرَ تحليلِ بياناتٍ معقدةٍ لتطويرِ طاقةٍ نظيفةٍ.

ولكنهُ قادرٌ أيضاً على اختراعِ فيروساتٍ إلكترونيةٍ تُهددُ أمنَ الدولِ!

القضيةُ هنا ليستْ في التكنولوجيا، بل في أيديولوجيةِ مَن يَتحكمُ بها. فـ«سمسمُ» الذكاءِ الاصطناعيِّ فتحَ كنوزَ المعرفةِ، لكنهُ كشفَ أيضًا عن أطماعِ «لصوصٍ» جددٍ: شركاتِ التكنولوجيا العملاقةِ التي تَبيعُ بياناتِنا كسلعةٍ، أو حكوماتٍ تستخدمُ الخوارزمياتِ لِمراقبةِ الشعوبِ!

التحدي الأكبرُ ليس في صناعةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، بل في صناعةِ ضميرٍ يجعلُنا نستخدمُهُ بحكمةٍ.

التاريخُ يعلمنا أنَّ كلَّ اكتشافٍ عظيمٍ بدأ كخادمٍ للإنسانِ، وانتهى كسيدٍ لهُ:

– الديناميتُ وُلدَ لخدمةِ البناءِ، فصارَ أداةً للحروبِ.

– النوويُّ وُجدَ لإنارةِ المدنِ، فحوَّلَ هيروشيما إلى رمادٍ.

فكيف نضمنُ ألَّا يتحولَ الذكاءُ الاصطناعيُّ إلى سيناريو مُكررٍ؟ الجوابُ في «أبجدياتِ التعايشِ» بين البشرِ والآلةِ:

الشفافية: فكُّ شفرةِ الخوارزمياتِ كي لا تكونَ «صندوقًا أسودَ».

التعليم: توعيةُ المجتمعِ بأنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ خادمٌ، وليسَ سيّداً.

التشريعات: وضعُ قوانينَ دوليةٍ تُجرمُ استخدامَ الذكاءِ الاصطناعيِّ في انتهاكِ الخصوصيةِ أو التمييزِ.

الذكاء الاصطناعي هو «سمسمُ» عصرِنا، لكنَّ الكنزَ الحقيقيَّ ليس في التكنولوجيا، بل في قدرتِنا على توظيفِها بحكمةٍ.

فلنهمسْ جميعاً: «افتح يا سمسم»، ولكنْ لِنكنْ مستعدينَ لِما سنراهُ خلف الباب السحري ولنحمِلْ معنا شعلةَ الأخلاقِ كي لا نضيعَ في ظلامِ المغارة.

​https://www.okaz.com.sa/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى