الثنائية تطاردنا

الثنائية معضلة كبيرة تؤرق الإنسان وتقتحم حتى أحلامه. ثنائية النجاح أو الفشل والخطأ أم الصواب، السعادة أم الشقاء، الحياة أم الموت، القدر أم الاختيار، الجمال أم القبح. ثنائيات متداخلة متشابكة تؤرق وتشغل الفكر والعقل والمشاعر فرحاً أم حزناً، حباً أم كراهية، في السياسة تطل برأسها سلماً أم حرباً، صديقاً أم عدواً. ثنائية شغلت الفلاسفة والمفكرين ورجال الدين. الثنائية كمذهب فلسفي يفسر الكون بمبدأين مستقلين كالصورة والمادة، والعقل والمادة، والوجود والعدم، والثنائي في اللاهوت معناها الاعتقاد بقدم الخير والشر معاً. الثنائية في فلسفة رينيه ديكارت، تذهب إلى أن العقل غير مادي. وقد عرّف ديكارت العقل بأنه الإدراك والوعي الذاتي، وميّزه عن الدماغ (المادي) بأنه موضع الذكاء.

الثنائية قد تكون مصدراً للاكتئاب والارتباك والتناقض تولد الخوف من النقيض، اليقين والشك، الثنائية في حياة الإنسان يسعى إلى تجاوزها بالاحتكام إلى سلطة النصوص، مبعداً ومجنباً عقله من الشك والنظر والاستقصاء والبحث. هذه السلطة تمحورت حولها المذاهب والفرق الدينية مما فاقم وزاد من أثرّ الثنائية التي تغطت على مجتمعاتنا الإسلامية ولا سيما عندما أصبح النص المرجع لكل خلاف ولحل المشاكل والمعضلات، وبذلك تم استبعاد مدرسة الرأي واعتماد مدرسة الحديث في ثوبها الجديد السنة بتعريفها الشامل للدين والمعاملات والعادات والآداب وكافة نواحي الحياة، حتى أصبح الإنسان لا يرى غير ما تراه جماعته ومذهبه، ونتج عن تلك فرقة وتعدد في الفرق والخلافات والتكفير وإباحة الدماء.

الثنائية في بعض النظم الفكرية، قد يُنظر إليها باعتبارها تقييدية أو تبسيطية بشكل مفرط لأنها تُغفل التفاعلات والتشابكات المعقدة التي قد توجد بين العناصر أو الظواهر موضع النقاش. مفهوم الثنائية بحد ذاته ليس معضلة، ولكنه قد يثير نقاشات معقدة بناءً على السياق الذي يُستخدم فيه. الثنائية تشير إلى تقسيم شيء إلى جزءين، مثل تقسيم الفكر إلى جسد وروح أو عقل ومادة. في الفلسفة والعلم، لاسيما في مجالات مثل فلسفة العقل، الثنائية تُعد نظرية تشرح العَلاقة بين العقل والجسم.

مفهوم الثنائية في الإسلام يظهر في ثنائية الجسد والروح، ثنائية الدنيا والآخرة، ثنائية العدل والظلم، ثنائية الإيمان والكفر، وثنائية الحلال والحرام. معضلة الثنائية تنشأ عندما نحاول فهم كيف يتفاعل هذان الجزءان المنفصلان، مثل العقل والجسم هذه المعضلة نجدها أيضاً في الفلسفة الديكارتية. ولقد نجح محيي الدين بن العربي بتبنيه رؤى صوفية تتجاوز هذه الثنائيات. من أبرز مفاهيمه «وحدة الوجود»، وهي فكرة أن كل الموجودات على تعددها وتنوعها، تعبّر عن مظاهر لوجود إلهي واحد. يعدّ ابن عربي أن الله هو الوجود الحقيقي الوحيد وأن كلّما عداه مظاهر أو تجليات لذلك الوجود. من هذا المنطلق، يتجاوز ابن عربي فكرة الثنائيات المتضادة ويركز على التناغم والاتصال بين المختلفات ظاهرياً. فالخير والشر، على سبيل المثال، ليسا متناقضين بقدر ما يمثلان جزءاً من الخلق الإلهي المتكامل الذي يعبر عن الحكمة الإلهية.

تجاوز مفهوم الثنائية يمكن أن يكون عملية عميقة ومعقدة، ولكن يمكن السعي لتحقيقها بواسطة التفكير النقدي والتقبل والانفتاح وتقدر التنوع والتأمل والوعي الذاتي والتعليم والتعلم المستمر يساهم في توسيع المعرفة بالأمور المختلفة ويفتح آفاقاً جديدة لرؤية الحياة بروح شمولية. وأخيراً وليس آخر إن ممارسة التعاطف والرأفة وتطوير القدرة على التعاطف مع الآخرين، تسهّل فهم تعقيدات حياتهم والتوقف عن رؤيتهم باستعمال ثنائيات بسيطة.

Exit mobile version