معظم الطرق السورية تؤدي إلى واشنطن

تعيش سوريا أزمة إنسانية واقتصادية خانقة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة، حيث تشهد البلاد انهيارًا في البنية التحتية، وتراجعًا حادًا في توفر المقومات الأساسية للحياة. قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والزراعة والصناعة تعاني من شلل شبه كامل، مما يجعل التعافي أمرًا بالغ التعقيد في ظل استمرار التحديات السياسية والأمنية. رغم الجهود المبذولة لإرساء الاستقرار، لا تزال سوريا تعاني من فراغ أمني وعدم قدرة السلطة الحاكمة على فرض سيطرتها على كامل أراضي البلاد. فمن أقصى الشمال إلى الجنوب، ومن المدن الكبرى إلى القرى النائية، تتفجر المشكلات بشكل مستمر، مما يضع الإدارة الجديدة أمام اختبارات صعبة لم تكن مستعدة لها بشكل كافٍ. على مدار السنوات الماضية، وتحديدًا منذ عام 2019، شهدت الساحة السورية نوعًا من التوازن العسكري والأمني، ترعاه قوى إقليمية ودولية، إلا أن هذا التوازن لم يكن كفيلًا بإخراج سوريا من مأزقها العميق، بل جعلها أشبه بجزر متفرقة تحت نفوذ قوى متعددة. وفي ظل هذه التعقيدات، مثل سقوط نظام بشار الأسد نقطة تحول كبرى، ليس فقط داخل سوريا، بل في عموم المنطقة، حيث لا تزال تداعيات هذا الحدث تتوالى، مثيرةً ارتدادات سياسية وأمنية متلاحقة. تعيين السيد أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية كان بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيق استقرار سياسي طال انتظاره. ومع ذلك، لا تزال التحديات جاثمة على صدر البلاد، وتحتاج إلى خطوات أكثر جرأة لحلحلة الأزمات المتراكمة. ومن بين هذه الخطوات، شهدت المدن السورية مؤخرًا ما يعرف بـ «جلسات الحوار الوطني»، التي رغم الانتقادات الموجهة لها، تظل ضرورية كمحطة على طريق الوصول إلى مؤتمر شامل للحوار الوطني، يُفضي إلى تشكيل حكومة تمثل كافة أطياف الشعب السوري، وصياغة إعلان دستوري يشرعن المرحلة الانتقالية، مع وضع جدول زمني واضح لتنفيذ العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية. في خضم هذه التحديات، كان لتعليق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والمصارف، وقع إيجابي، إذ منح السوريين بصيص أمل في تحسّن الأوضاع الاقتصادية. إلا أن هذه الخطوة تبقى محدودة التأثير، نظرًا لأن العقوبات الأمريكية، وخصوصًا تلك المفروضة على البنك المركزي السوري، هي الأكثر إيلامًا، إذ تعزل الاقتصاد السوري عن النظام المصرفي العالمي (سويفت)، مما يحدّ من قدرة البلاد على استقطاب الاستثمارات أو تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي. اليوم، تبدو واشنطن اللاعب الأكثر تأثيرًا في مستقبل سوريا، إذ تتحكم في مسارات عدة، من بينها تخفيف العقوبات، ودعم الحكومة السورية سياسيًا، والتوصل إلى حلول بشأن الوضع في شمال البلاد. وفي هذا السياق، تكتسب زيارة الرئيس الأمريكي ترمب المرتقبة إلى المنطقة أهمية خاصة، حيث يأمل السوريون أن تتمكن إدارة السيد أحمد الشرع من تحقيق تفاهمات جوهرية مع الإدارة الأمريكية. على صعيد آخر، كان للمملكة العربية السعودية دور استثنائي في تسهيل قنوات التواصل بين الحكومة السورية الجديدة والقوى الدولية، مما عزز فرص الوصول إلى حلول مستدامة للأزمة السورية. ويبقى الأمل معقودًا على أن تتكلل هذه الجهود بالنجاح، وأن يشهد السوريون قريبًا بوادر انفراج حقيقي، يُنهي سنوات المعاناة ويعيد للبلاد عافيتها واستقرارها.
https://www.okaz.com.sa/