إبراهيم شقلاوي يكتب.. الخرطوم في مواجهة حرب الدعاية السوداءمنصة السودان

مع هزيمة مليشيا الدعم السريع في الميدان، تنتقل المواجهة إلى ساحة جديدة، لا تقل خطورة عن القتال المباشر، وهي حرب المعلومات والدعاية السوداء. فبعد فشلها في تحقيق مكاسب عسكرية ضد الدولة والمواطن، لجأت هذه الأيام المليشيا وداعموها المحليون إلى استخدام الحرب النفسية كأداة لإشاعة الخوف وزعزعة الاستقرار في المناطق المحررة بولاية الخرطوم أو التي ظلت آمنة تحت سيطرة الجيش.
في الأيام الأخيرة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي منشورات تحذيرية تزعم وجود حالة انفلات أمني واسع في المحليات التي استعادت الدولة السيطرة عليها. ورغم أن القلق الأمني مشروع في سياق ما بعد الحرب، إلا أن الصياغة المكثفة لهذه الرسائل، وتكرارها في أوقات محددة، يشير إلى حملة ممنهجة تهدف إلى خلق حالة من الفوضى، حيث يتم استخدام لغة مثيرة مثل ” احذروا التحركات المشبوهة” و”لا تتحركوا منفردين” لتعزيز الشعور بالخطر المستمر، مما قد يدفع المواطنين إلى التشكيك في قدرة مؤسسات الدولة على بسط الأمن.
كما تسعى هذه المنشورات إلى الترويج لرواية المليشيا عبر الإيحاء بأن السودان بأكمله يعيش في فوضى، لتبرير ادعاءاتها بأن الأوضاع كانت أكثر استقرارًا قبل عمليات التحرير. إضافة إلى ذلك تتضمن هذه الرسائل تحريضًا غير مباشر من خلال عبارات توحي بضرورة التسليح الذاتي للأفراد، مثل ” أحمل السلاح قربك دائمًا”، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب يخدم مصالح المليشيا وداعميها ويكرس مفهوم انعدام الأمن. كما يبرز تركيزها على النساء كفئة ضعيفة تحتاج إلى حماية بأن “لا تتحركوا وحدكم”، في محاولة لإثارة الخوف داخل الأسر وتعطيل عودة الحياة إلى طبيعتها.
وما يزيد من خطورة هذه الدعاية هو اعتمادها على مصادر مجهولة، حيث يتم تداولها عبر منصات غير معروفة مثل “قنوات الواتساب” دون أن تكون صادرة عن جهات اعلامية موثوقة أو جهات رسمية، ما يعزز الشكوك بأنها جزء من حملة تضليل إعلامي واسعة تستهدف أمن المواطن وتوثر في عودة المواطنين إلى ديارهم والتي بدأت بمعدلات كبيرة خلال الفترة الماضية حيث أوردت ـ شبكة_الخبر ـ عن منظمة الهجرة الدولية، عن عودة 396 ألف أسرة إلى ديارهم في الجزيرة وسنار والخرطوم، خلال 4 أشهر. “في الفترة بين 18 ديسمبر المنصرم و4 مارس الحالي، عاد قرابة 396,738 فردًا من النزوح الداخلي إلى مواقعهم الأصلية”.
هذه العودة الطوعية للنازحين بخلاف الحركة الداخلية تكشف عن مؤشرات ايجابية لذلك يجب مواجهة هذه الحرب النفسية المثيرة للذعر. بعمل مدروس بجانب ضرورة اتخاذ خطوات لمواجهتها، بدءً بعدم إعادة نشر هذه الرسائل التحذيرية دون التحقق من صحتها من مصادر رسمية، وتعزيز الخطاب الإيجابي برسائل توعوية تركز على أهمية التعاون المجتمعي بدلًا من الاستسلام للخوف، إضافة إلى الإبلاغ عن الحسابات المشبوهة التي تنشر مثل هذه المحتويات باعتبارها جزءً من حملة دعائية موجهة تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
على المستوى الرسمي، شهدت ولاية الخرطوم أمس اجتماعًا مهمًا للجنة أمن الولاية برئاسة والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، وبمشاركة الفريق أول ركن ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة، إضافة إلى قيادات أمنية وعسكرية رفيعة المستوى. خرج الاجتماع بعدة قرارات استراتيجية تهدف إلى استعادة الأمن وإعادة ترتيب الأوضاع في المناطق المحررة، حيث تم التأكيد على عودة الأجهزة النظامية إلى مواقعها الأصلية لممارسة مهامها الاعتيادية في كل المحليات، مع تنفيذ خطة أمنية عاجلة للقضاء على الظواهر السالبة والتعامل الحاسم مع المتفلتين، وتأمين أرواح وممتلكات المواطنين، وتسهيل العودة التدريجية للنازحين إلى مناطقهم.
كما تم إلزام لجنة أمن الولاية بتنفيذ قرارات الانتشار الأمني خلال 48 ساعة لضمان عودة الحياة الطبيعية سريعًا.
بينما تحاول مليشيا الدعم السريع تعويض خسائرها الميدانية عبر حرب المعلومات والدعاية السوداء، فإن التحركات الأمنية المدروسة والوعي المجتمعي يشكلان خط الدفاع الأول في هذه المرحلة. التي يصبح فيها الرهان ليس علي الحلول الامنية فقط، بل على قدرة المواطنين والإعلام الوطني في كشف هذه الحملات التضليلية، وتعزيز ثقة المجتمع في مؤسساته الأمنية، وعدم السماح لمحاولات الفوضى النفسية بتحقيق أهدافها.
كما يظل وجه الحقيقة، في اهمية قيام حكومة الولاية بمواجهة اي تحديات محتملة في ظل الاوضاع الامنية الهشة التي تعيشها بعض المناطق، خصوصًا خلال الفترات الليلية لذلك يجب تكثيف دوريات الشرطة وزيادة الحواجز الامنية علي الطرقات كذلك يجب عودة وحدات بسط الامن الشامل للأحياء السكنية لينعم المواطن بالأمن والسلام.
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 12 مارس 2025 م [email protected]