إبراهيم شقلاوي يكتب.. المصفاة ستعاد للعمل، لكن يبقي الخذلان؟!

متابعة- منصة السودان –

يشهد السودان تصعيداً أمنياً خطيراً مع استمرار مليشيـ.ـا الدعم السريع في انتهاك القانون الدولي الإنساني، في ظل صمت واضح من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية . هذا الصمت يثير تساؤلات كبيرة حول المواقف الدولية خاصة مع تصاعد الأحداث التي تؤكد أن المليشيـ.ـا باتت تستخدم سياسة الأرض المحروقة في مواجهتها مع القوات المسلحة السودانية مما يُظهر كارثية الأزمة الأمنية والاستراتيجية المدعومة إقليميا التي تكاد تعصف بالبلاد . حيث عمدت المليشيا إلى تدمير مصفاة الخرطوم “الجيلي” للمشتقات البترولية .

استفاق السودانيون امس الأول على أعمدة من الدخان الكثيف تتصاعد من مصفاة الجيلي ، إحدى أهم المنشآت البترولية شمال الخرطوم. وأفادت مصادر ميدانية بأن الدخان ناجم عن اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع ، حيث أقدمت الأخيرة على حرق المصفاة لتغطية إخراج جنودها بعد محاصرتها وطردها من قبل الجيش . هذا التكتيك الذي يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني يكشف عن فقدان المليشيا لزمام المبادرة الميدانية وبداية انهيارها واعتمادها على تدمير البنية التحتية لتحقيق مكاسب سياسية .

بحسب خبراء تمثل مصفاة الخرطوم واحدة من أبرز المنشآت النفطية في السودان، حيث تسهم بتغطية 33% من الاستهلاك المحلي للطاقة ، ما يعكس أهميتها الاقتصادية الكبيرة . تأسيس المصفاة كلف السودان حوالي 7 مليارات دولار ، بالإضافة إلى تكلفة إنشاء الخطوط والمستودعات والمنشآت المرتبطة بها . في حال الحاجة لتأسيس مصفاة جديدة ، فإن الأمر قد يتطلب ما لا يقل عن 18 شهرًا لإنجازها .

يُعد استهداف المنشآت المدنية والحيوية انتهاكاً مباشراً للمادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 كما يصنف ضمن جرائم الحرب وفق المادة 8 من نظام روما الأساسي . هذه الانتهاكات التي طالت محطات الكهرباء والمياه ، والمؤسسات الصحية والتعليمية ، تعكس استراتيجية ممنهجة لإضعاف الحكومة السودانية من خلال الضغط الشعبي الناتج عن تعطل الخدمات الأساسية . لكن هذه التكتيكات التي ربما تهدف إلى دفع الحكومة نحو التفاوض ، تبدو أقرب إلى محاولة يائسة من مليشيا فقدت شرعيتها وتواجه عزلة داخلية وخارجية . فور هذا التطورات العسكرية والسياسية أصدرت القوات المسلحة السودانية بيان إدانة بموجب الحادثة ووصفت مليشيا الدعم السريع بالإرهابية كما أصدرت الحكومة السودانية على لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر بيان ادان المليشيا في استهداف البنية التحتية. اعقب ذلك زيارة قام بها أمس رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى المصفاة بعد تحريره معلنا تعهده بإعادة اعمارها للقيام بدورها في إمداد العاصمة القومية بالوقود ، مع الاستمرار في دحر التمرد حتي إستعادة الأمن وتحقيق السلام للسودانيين .

هذه التطورات الأخيرة تسلط الضوء على تحديات أمنية كبيرة تواجه بلادنا . استهداف المصفاة لا يقتصر على كونه عملاً عدائياً ضد منشأة حيوية فحسب ، بل يمثل تهديداً لاستقرار البلاد الاقتصادي والسياسي . ومع ذلك فإن الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات يُثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير في التعاطي مع الشأن السوداني . لذلك يجب قراءة هذه الهجمات كإشارة واضحة إلى أن مليشيا الدعم السريع باتت تدرك قرب انهيارها العسكري ، ما دفعها إلى محاولة إرباك المشهد السياسي والأمني عبر استهداف البنية التحتية . ومع ذلك فإن هذا النهج يُعزز من عزيمة الحكومة السودانية والقوات المسلحة على استئصال هذه التهديدات وإعادة بناء ما تم تدميره .

في هذا السياق تبرز ضرورة دعم السودان على المستويين الإقليمي والدولي لمواجهة هذه التحديات . تصنيف المليشيا كجهة إرهابية وملاحقة داعميها دولياً يمثلان خطوات أساسية لضمان الاستقرار والأمن في البلاد . في إطار الموقف الدولي، سبق أن اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية خطوات مهمة في التصدي لانتهاكات مليشيا الدعم السريع. فقد وصفت الخارجية الأمريكية الجرائم التي ارتكبتها المليشيا بأنها جرائم حرب و ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية ، مشيرة إلى استخدامها الممنهج للعنف ضد المدنيين .

كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائد المليشيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) وسبع من شركاته الاقتصادية التي تمثل عصب التمويل المالي للمليشيا . تلك العقوبات تأتي ضمن مساعٍ دولية لتجفيف مصادر تمويل المليشيا والحد من قدرتها على مواصلة العمليات العسكرية ، لكنها تؤكد أيضاً الحاجة إلى تصعيد دولي أكبر لدعم السودان في معركته ضد هذه الانتهاكات .

بحسب ما نراه من وجه الحقيقة إن ما يجري في بلادنا اليوم ليس مجرد حرب داخلية ، بل اختبار لإرادة المجتمع الدولي في مواجهة المليشيا وداعميها التي تتحدى أسس القانون الدولي، ما يستدعي وقفة حازمة لتجنب تكرار السيناريوهات الكارثية التي شهدتها دول أخرى . ما يجري في السودان اليوم يستوجب تضامنا حقيقيًا ، باعتباره يمثل اختبار للإرادة الدولية في التصدي لانتهاكات المليشيا . يجب أن يتجاوز المجتمع الدولي مرحلة الإدانة إلى اتخاذ خطوات ملموسة ، تشمل تصنيف المليشيا كجهة إرهابية وملاحقة داعميها ، لضمان ألا تصبح جرائمها سابقة تُهدد السلم والأمن العالميين. أما المصفاة ستعاد للعمل بإرادة السودانيين لكن يبقي الخذلان في عالم مازال يقف متفرجا علي حرب أشعلها التآمر الدولي والأطماع الاقليمية بمساعدة من قوي سياسية داخلية تسعي الي تحقيق اجندتها المغيتة .
دمتم بخير وعافية .
الاحد 26 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com.

Exit mobile version