أخبار السودان

إبراهيم شقلاوي يكتب.. عودة الوزارات الحكومية إلى الخرطوم​منصة السودان

متابعة- منصة السودان –

امس حطّت طائرة رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية بمطار الخرطوم، مسجلة أول رحلة يستقبلها المطار منذ اندلاع الحرب، في خطوة تعكس استعادة السيطرة وتأمين المرافق الحيوية. تلا ذلك تفقده للقوات في القصر الجمهوري، تأكيدًا على ترسيخ وجود الدولة في مراكز السيادة.

تلك إشارة ذكية تستوجب قدر من استشعار المسؤولية وسباق من الوزارات والمؤسسات العامة لاحتلال موقعها في المشهد الوطني الجديد عقب تحرير القصر الجمهوري والخرطوم من مليشيا الدعم السريع، فإن عودة كافة الوزارات إلى استئناف عملها، بعد الفترة التي تعقبها عطلة عيد الفطر المبارك، ينبغي أن تُصبح هدفًا محوريًا واجب ضمن استحقاقات المرحلة التي لا تقبل التأجيل، تأكيدًا على أن استعادة الأرض تكتمل باستعادة دورها في قيادة المرحلة ولأجل حصر الاضرار وتفقد الممتلكات .

فقرار الانتقال إلى العاصمة المحررة هذه الفترة ليس مجرد إجراء بيروقراطي، بل هو استكمال للسيادة الوطنية، وتأكيد على أن الدولة عادت إلى مركزها، وأن الأمن ليس ظرفًا مؤقتًا، بل واقع تفرضه القوات المسلحة ويعزّزه العمل المؤسسي المنتظم. وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية الوزارات الاتحادية وموظفي الدولة كافة في مواكبة هذا التحول، والاستعداد التام لمباشرة المهام من قلب الخرطوم، دعمًا للدولة، وتثبيتًا للأمن، ووفاءً لما تحقق من انتصار علي أيدي الجيش وكافة القوات النظامية والمستنفرين.

كما هو معلوم فإن العافية درجات، هذا توصيف دقيق لمسار تعافي الدولة بعد حرب ضروس كالتي شهدتها بلادنا والتي كانت فيها المؤامرة حاضرة. فالنصر العسكري مهما بلغت أهميته، لا يكتمل أثره ما لم تُعزّزه مؤسسات الدولة المدنية التي تُعيد انتظام الحياة وتبعث رسائل الثقة للمواطنين في الداخل والخارج بأن الخرطوم عادت، وأن الدولة قد عادت معها.. وهذا مثالا حيا ووفاء لشعار “شعب واحد جيش واحد” فإن اسناد معركة الكرامة يتم بتكاتف الجهود العسكرية والمدنية.

في هذا السياق تبرز الخطوة التي اتخذتها وزارة المعادن كأولى إشارات هذا التعافي، حين بادرت بتوجيه أذرعها المختلفة لتشكيل فرق عمل لحصر وتقييم الأصول والمنشآت بمقارها بولاية الخرطوم، خاصة في المناطق التي بسطت القوات المسلحة سيطرتها عليها مؤخرًا. هذه الخطوة لم تقتصر فقط على الجرد والتقييم، بل ترافقت مع خطة أمنية واضحة، موّلَتها الوزارة، لتأمين المواقع عبر إدارة شرطة تأمين التعدين، ما يعكس إدراكًا بأن العودة لمباشرة العمل ضمن اهم أولويات بناء الدولة.

وزارة المعادن ليست وحدها في هذا الاتجاه. فقد عادت من قبل وزارة التنمية العمرانية حيث أعلنت رسميًا نقل مقرها إلى الخرطوم كأول مؤسسة اتحادية تتخذ هذه الخطوة الجريئة، وبدأت خطة عملها بالبدء في صيانة جسري شمبات والحلفاية وكافة الطرق المتضررة جراء الحرب، ما يمكن اعتباره قرارًا سياديًا وإداريًا يحمل أبعادًا سياسية لا تقل عن بعدها التنموي فهو إعلان ضمني أن الخرطوم باتت آمنة بما يكفي لعودة العمل المؤسسي.

كذلك ضمن الوزارات التي باشرت عملها بالخرطوم هي وزارة العدل وكان ذلك عقب استلام موقعها في ام درمان بدار اتحاد أصحاب العمل وذلك بالتنسيق مع ولاية الخرطوم حيث بدأت اعمالها عبر الإدارة القانونية في نطاق المناطق الآمنة بفريق عمل من المستشارين.

أيضا القطاعات الخدمية تسير في الاتجاه ذاته. زيارة مدير عام شركة كهرباء السودان لمجمع محطات قري، والوقوف ميدانيًا على الأضرار التي لحقت بمشروع قري 3، دليل على أن مرحلة المسح والتأهيل قد بدأت بالفعل. ليس فقط لأن المحطة حيوية لتوليد الكهرباء، بل لأن إعادة تأهيلها يمثل استعادة المبادرة في قطاع حساس لطالما استُهدف خلال الحرب.

وفي ذات السياق ، تعود مطاحن “سيقا” للعمل لأول مرة منذ اندلاع الحرب، بعد تحرير موقعها في بحري. عودة المطاحن ليست لتوفير الدقيق لمقابلة احتياج غذاء الناس فحسب، بل تعني عودة عجلة الاقتصاد للدوران من جديد، بتخفيف أعباء الخدمات، وتهيئة البيئة لعودة المواطنين.

ما يجمع بين كل هذه الخطوات أنها تؤكد أن الخرطوم لم تُسترد عسكريًا فحسب، بل تُستعاد إداريًا ومؤسسيًا. فإن التقاء الجهد العسكري بالجهد المدني هو ما سيعجل من وتيرة التعافي. وعلى بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة أن تحذو حذو وزارة المعادن و التنمية العمرانية والعدل ، والمطاحن والكهرباء فكل وزارة تتردد في العودة تترك فراغًا يُمكن أن يُستغل لإعادة الفوضى وربما تكرس بذلك مفهوم المؤامرة وضعف الارادة الوطنية.

إذن فإن التحدي في المرحلة المقبلة بحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة ليس فقط تأمين الخرطوم لعودة المواطنين، بل بتعزيز هذا الأمن بالعمل المدني الفاعل، ليصبح الاستقرار واقعًا ملموسًا لا شعارًا اجوف. لذلك فإن عودة المؤسسات ليست قرار إداري فقط كما يظن البعض، بل قرار وطني سيادي يُترجم نصر الجيش إلى نصر الدولة بكامل مؤسساتها، حتي نحافظ علي هذا الوطن ونعمل علي توحيده ودفعه نحو الاستقرار و الأمن والسلام.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 27 مارس 2025 م. [email protected].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *



زر الذهاب إلى الأعلى