الإعلام وتخصصات الوسيلة!
![](/wp-content/uploads/2025/02/2473374-0IqubK-780x470.jpeg)
ظلت الوسيلة الإعلامية، هي الحاكمة على الإعلام طوال مراحله الماضية، واكتسبت الرسالة الإعلامية سمات الوسيلة التي تتم من خلالها؛ حتى قال ماكلوهان: «إن الوسيلة هي الرسالة»؛ وهذا كان حقاً في الماضي، حيث اكتسب الإعلام صفة السمعي والبصري والمقروء بناء على طبيعة الوسيلة..
وظل الدارسون يقفون وقفات طويلة مع إمكانيات الوسيلة وحدودها، وقدراتها، وخصائصها، التي يجب أن تأتي الرسالة متوافقة معها.
وبناء على ذلك لما تحول الإعلام إلى علم، وأنشئت له الأكاديميات المتخصصة لتدريس وتعليم فنونه المختلفة، تم تقسيم تخصصاته المختلفة بناء على الوسيلة، فأنشئت ثلاثة تخصصات أساسية، هي: العلاقات العامة، والصحافة والنشر، والإذاعة والتليفزيون. وظلت هكذا حتى مع محاولات التحديث والتطوير دارت في فلك الوسيلة من خلال استحداث تسميات جديدة لتخصصات الإعلام مثل: المرئي والمسموع، والإعلام الرقمي، والإعلام الإليكتروني.
لكن مع حدوث التحول الكبير في بنية الإعلام والاتصال ككل، ودخول العصر الرقمي التفاعلي، وما أسفر عنه من تداخل كبير بين الوسائل، فلم يعد هناك قدرة على الفصل بين إعلام الوسائل، فقد تداخلت معًا لتثمر نمطًا جديدًا أطلق عليه الوسائط المتعددة أو المالتميديا.. فتداخلت الوسائل حتى لم يعد في مقدور أحد الفصل بينها؛ لذلك نجد الصحافة قد استخدمت الفيديو ليظهر نمط صحفي أطلق عليه صحافة الفيديو، وإذاعات البودكاست التي تجمع ما بين الصوت والصورة معًا، كذلك أخرج لنا التليفزيون الجريدة المصورة، وأصبحت الرسالة تجمع ما بين المقروء والمسموع والمرئي في آن واحد.
بل تحول عدد كبير من نجوم الصحافة إلى أستديوهات التليفزيون، وأطلقت على نشرات الأخبار التليفزيونية الصحافة التليفزيونية، وهو ما دعا البعض أن يصك مصطلح «صحفنة التليفزيون»؛ وبناء على التداخل والتبادل بين الوسائل، فقد تداخلت تبعًا لذلك بحوث الإعلام فلم يعد ثمة فرق دقيق بين التخصصات الثلاثة.
وفي إطار هذا التداخل بين الوسائل في اعتقادي أنه حان الوقت لتغيير هذا التقسيم وتبديل التخصص بناء على المحتوى، أو الرسالة، ومن ثم تغيير تخصصات الإعلام وأقسامه، وهذا ما نجده واقعًا من تقديم بعض الأساتذة لأنفسهم في وسائل الإعلام، كأستاذ في الإعلام السياسي أو الاجتماعي، ليدرس الطالب استخدامات كل الوسائل في هذا المجال وليس العكس، وهذا ما حاوله بعض أقسام الإعلام عندما تغير مسماه من إعلام الوسيلة إلى إعلام المحتوى فظهر لنا «الإعلام السياحي» و«الإعلام واللغة».
وهنا في رأيي المتواضع وأساتذتي من رواد الإعلام لهم القول الفصل في هذه المسألة، كما أتشرف بمناقشتها مع زملائي الفضلاء والمتخصصين في مجال الإعلام.. أنه قد آن الوقت ليعاد تقسيمات كليات الإعلام وأقسامه بناء على المحتوى، ليكون لدينا قسم الإعلام السياسي، وقسم الإعلام الاجتماعي، وقسم الإعلام الفني والأدبي، وقسم الاتصال المؤسسي، وقسم الإعلام اللغوي، وقسم الإعلام العلمي والديني.
فلم يعد الفصل بين الوسائل ممكنًا في عصر الوسائط المتعددة
ولم يعد مقبولًا أن يتعلم أبناؤنا وسيلة واحدة، أو يتخصصون فيها في الوقت الذي فيه سوق العمل يطالبهم بالجمع بين هذه الوسائل..بل إنني أزعم أن ذلك كفيل أن يعيد لتخصص الإعلام قوته وهيبته، وخصوصيته كعلم يدرس،…حيث اقتحم خصوصيته الكثيرون، وأصبحت إجادة استخدام الوسيلة ليست حكرًا على خريجي الإعلام؛ إذ توفرت الوسيلة وأصبحت في أيدي الجميع، وصار الفرد العادي قادرًا على امتلاك أستديو إليكتروني كامل من خلال هاتفه المحمول، يصور، ويكتب، ويتحدث، ويمنتج وأمدته تقنيات الذكاء الاصطناعي بما كان ينقصه من نصوص..
فأثمر عن سيادة هذا النمط الجديد المعروف بإعلام المواطن، بينما سيعيد التخصص الإعلامي من خلال المحتوى تفردًا جديدًا يميز خريج الإعلام القادر على الفهم والتحليل والتفسير وتوظيف الوسائل المختلفة لخدمة المحتوى المسلح بفلسفة الإعلام وثقافته التي لن يحسنها سوى المتخصصين..
https://www.okaz.com.sa/