الانتماء الأصيل.. روح الهوية ومعيار الوجود

«الانتماء» ليس مجرد رابطة اجتماعية أو ثقافية، بل هو اختبار مستمر لمدى صدق الإنسان مع ذاته ومع مجتمعه. فالمنتمي حقاً ليس من يكرر شعارات الولاء، بل من يجعل وجوده إضافة حقيقية، ومسؤولية يتحملها. فالمُنتمي الأصيل هو الذي يبني ولا يهدم، يعطي ولا يكتفي بالأخذ، يواجه اعوجاج الواقع لا ليُنكره، بل ليُصلحه.
إن الانتماء الأصيل، هو الذي لا يخشى المواجهة ولا يقبل المساومة.. هو ذلك الصوت الذي يرفض أن يكون أداةً في يد الجهل، أو ذريعةً للفساد، أو مبررًا للاستبداد.. هو ذلك الولاء الذي لا ينفي النقد، وذلك الحب الذي لا يعني السكوت عن الخطأ.. هو انتماء العطاء لا انتماء الاستغلال، انتماء المسؤولية لا انتماء الادعاء.
لكن كيف يتحقق هذا الانتماء؟ إن تحقيقه يبدأ أولاً ببناء وعي حقيقي يجعل الفرد يدرك أن انتماءه ليس مجرد شعار، بل التزام يتطلب العمل والاجتهاد. ثم يأتي الإخلاص في الفعل، حيث يكون الإنسان وفياً لقيمه في كل ما يقوم به، في عمله، في تعامله مع الآخرين، في رفضه للظلم، في حرصه على الإصلاح.
إن الانتماء يتجلى في بيئة تقدّر العدالة، حيث يشعر الفرد بأنه جزء من منظومة تحترم إنسانيته وحقوقه، مما يعزز لديه الشعور بالمسؤولية تجاه واجباته.. الانتماء ينبغي أن يكون مرناً لا متصلباً، بحيث ينفتح على التطوير والنقد الذاتي، إذ إن الانتماء الجامد لا يعدو كونه صورةً أخرى من الانغلاق والتعصب.
هكذا، لا يكون الانتماء الحقيقي انغلاقاً على الذات، بل انفتاحاً على المعنى.. لا يكون انتماء للقبيلة أو الطائفة أو المصلحة، بل انتماء للمبدأ، للحق، للعدالة.. فمن ينتمى إلى الحق، يصبح انتماؤه أصيلاً بالضرورة، لأن الحق لا يعرف حدوداً أو قيوداً؛ فهو لا يرتبط برأي أو عرق أو فئة معينة، بل هو مجموعة من المبادئ والقيم العادلة التي تتجاوز اختلافات البشر.
أما المعرفة وأدوات العلم، التي تساهم في الفهم والإدراك الصحيح للأشياء، فهي من السبل التي تقود إلى الحق.. فكلما ازداد فهم الإنسان للحقيقة، اقترب أكثر من الانتماء إليها بشكل أصيل وعميق.
من كان التزامه بالقيم، لم يخسر مجتمعه، بل رفعه معه. عندها فقط، يصبح الانتماء تجلياً للصدق، لا للادعاء، ويصبح الإنسان به جديراً باسمه، لا مجرد كائنٍ عابرٍ بين الآخرين.
https://www.okaz.com.sa/