السعودية والثلاث الكبار

توجد على المستوى الدولي ثلاث مؤسسات للتصنيف الائتماني لدول العالم، وهذه المؤسسات هي: «موديز» و«ستاندرد آند بورز» و«فيتش ريتينجز»، وعلى الرغم من اختلاف إدارات هذه المؤسسات وآليات عملها فإن نتائج تصنيفها تبدو متوافقة ومتّسقة على نحو يعكس مدى قوة أو ضعف اقتصاد الدول التي يتم تصنيفها، وهو ما يوضح مدى قدرتها على الاستخدام الرشيد لمواردها الاقتصادية وحجم وقوة استثماراتها في الداخل والخارج، فالدول التي تتمتع بتصنيف عالٍ تحظى في المقابل بثقة المجتمع الدولي، وهذه قاعدة منطقية.
توجد ببعض الدول (ومنها المملكة العربية السعودية) مؤسسات وطنية داخل الدولة تقوم بالتصنيف الائتماني للمواطن والمؤسسات، فالتصنيف الائتماني الضعيف للمواطن يعني حجب الثقة المالية عند التعامل معه بحيث لا يستطيع أي بنك إقراضه، ويفقد القدرة على الشراء بالتقسيط من أي متجر، كما أنه لا يتمكّن من الدخول في أي مناقصات عامة أو يشارك في أي مشروع استثماري، لأنه من المؤكد غير قادر على الوفاء بالتزاماته، مما سيؤدي بالضرورة لتعثر المناقصة، كما أنه سيكون غير قادر على سداد الديون.
على المستوى الدولي فإن تصنيف المؤسسات الثلاث الكبار قد يشجّع أو يثبّط دول العالم عن التعامل مع دولة معينة، سواء من خلال منحها قروضاً أو منحها فرصاً استثمارية، والتصنيف الائتماني درجات، يعد أعلاها A+، مما يعني قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، وأن المخاطر الائتمانية بالنسبة لها تكاد تكون معدومة، وهذا يعني بداهة أن الدولة تجيد استخدام مواردها الاقتصادية بطريقة مثلى وبما يحقق رفاهية مواطنيها، كما يعني ذلك قدرتها على الوفاء بالدَّيْن في حال اشتراكها في أي استثمار داخل الدول الأجنبية.
خلال الأيام والأشهر القليلة الماضية قامت المؤسسات الائتمانية الثلاث برفع المملكة العربية السعودية لأعلى درجة تصنيف ائتمانية؛ حيث رفعت «موديز» تصنيف الاقتصاد الأكبر عربياً إلى «AA3»، كما رفعت «فيتش» بدورها تصنيف السعودية عند A+، ورفعت مؤسسة إس آند بي جلوبال التصنيف الائتماني للمملكة إلى A+، والتي تعني قوة الاقتصاد السعودي وقلة المخاطر، لتكون بذلك وكالات التصنيف الدولية الثلاث (موديز، ستاندرد آند بورز، وفيتش) قد أكدت الجدارة الائتمانية للمملكة.
ومن الجدير بالذكر أن الدول التي تحمل هذا التصنيف المرتفع الذي حصلت عليه المملكة هي كالتالي: بالنسبة لتصنيف ستاندرد آند بورز فإن مصاف الدول المتّسقة مع تصنيف المملكة هي الصين واليابان والكويت، وبالنسبة لتصنيف فيتش فإن الصين من الدول التي حصلت عليه، أما التصنيف الثالث لموديز فإن مصاف الدول التي حصلت عليه هي: تايوان والمملكة المتحدة وفرنسا، وهذه التصنيفات من الأهمية بمكان لأنها تعني إضفاء الثقة على الاقتصاد السعودي، وهو ما يدفع بدوره الدول ومؤسساتها التجارية أو الحكومية للاستثمار في المملكة من خلال فتح فروع لمؤسساتها سواء كانت مالية كالبنوك أو صناعية أو تعليمية وغيرها، وهذا الاستثمار داخل المملكة سيعني بداهة ضخ مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية في عروق الاقتصاد السعودي، مما يخلق بدوره عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية للمواطنين، وبما يزيد من مستوى دخل الفرد.
هذه المؤسسات الثلاث الكبار هي مؤسسات دولية تحظى بثقة المجتمع الدولي ويتم اتخاذها كمقياس عند التعامل مع الدول، وعندما يتم تصنيف دولة بأنها منخفضة ائتمانياً فذلك يعني حاجتها للاقتراض من الخارج، مما يعني بدوره زيادة أعباء الدولة نتيجة الفوائد المترتبة على هذا الاقتراض، كما يعني تبعيتها سياسياً للدول المهيمنة على صناديق الإقراض ليتم السماح لها بالحصول على القرض المطلوب، فالدول ذات الاقتصاد المترنح غالباً ما تكون أسيرة للدول المانحة؛ فقد تُرغم على السير في فلكها السياسي حتى تتمكن من الحصول على القروض.
لو عدنا لسير الأحداث السياسية المتّسقة مع تصنيف الثلاث الكبار فسنجد أنها تتّسق تماماً مع تصريحات الدول العظمى المهيمنة على مجلس الأمن، فالرئيس الأمريكي يرغب من المملكة العربية السعودية أن تكون شريكاً اقتصادياً للولايات المتحدة، ومن الملاحظ أن زيارات الرئيس الصيني ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي والرئيس الألماني كانت كلها تصب في نفس التوجه، ومن غير الممكن -بأي حال- أن تجتمع هذه التوافقات السياسية على دولة يعاني اقتصادها من الانهيار، فالعالم يخطب ود الدول الناجحة اقتصادياً، والنجاح الاقتصادي تترتب عليه مؤشرات أخرى تابعة له، أهمها قوة نفوذها السياسي، والذي يعني أولاً وأخيراً قدرة الدولة على بسط الأمن على كل شبر من أراضيها، فالفشل الاقتصادي يفتح الباب على مصراعيه للفشل الأمني والسياسي.
نشرت قبل أيام الكاتبة ليز بيك مقالاً في صحيفة The Hill الأمريكية، أشارت فيه إلى أن الإدارة الأمريكية تدرك جيداً أن السعودية هي حجر الأساس في سوق الطاقة العالمي، وتساءلت الكاتبة عن سبب سفر المسؤولين الأمريكيين إلى السعودية لعقد اجتماعات لحل الحرب الروسية الأوكرانية، وقد كانت مثل هذه الاجتماعات تعقد في ما قبل في فيينا وجنيف، وأوضحت الكاتبة أن سبب ذلك هو أن الرئيس ترمب في حاجة إلى الجهود السعودية لحل العديد من الملفات ومنها ملف غزة. وما أشارت إليه الكاتبة ليز بيك يتّسق مع تصريحات روسيا بأن السعودية لاعب أساسي في حل الأزمة الروسية الأوكرانية.
https://www.okaz.com.sa/