الفساد لا يختبئ في المباني المهجورة..!

لماذا تُصنَّف الدول المتقدمة، وفي مقدمتها السعودية، ضمن الأكثر صرامة في محاربة الفساد؟
تعالوا نتأكد من خلال أربع جرائم فساد وإفساد النفوس، اسمعوها كقصة، وعيشوا الخيال!
لنقترب أكثر، لننسخ حكايتكم اليومية، أنتم الشهود، ونحن الرواة مع إمكانية أنه قد شملنا شيئًا من ذلك السوط الغادر. فعند سرد الرواية، متأكد لن تجدونها غريبة، ربما عايشها الكثير منكم لذلك تجدونها مألوفة إلى حد بعيد، لكنها تختلف من شخص لآخر.
إذًا فلنبدأ في التخيّل معًا.. نستيقظ كل صباح فجأة نصادف قرارات عشوائية، ومزاجية إدارية في بعض المؤسسات، وسوء استغلال للصلاحيات، كل ذلك بحجة «التطوير»، بينما الواقع يقول غير ذلك.
بمعنى.. عندما يصبح الفساد قاعدة نسجها الفريق المنتفع المخطِّط، حتمًا تتآكل بيئة العمل، ويُحبط الموظفون، وتفقد المؤسسات روحها الإنتاجية، والنتيجة:
تدهور العمل، وتأخر المشاريع، وخلق بيئة طاردة لكل صاحب كفاءة.
في بعض المؤسسات، يتحول المدير إلى «آمر» يصدر قراراته دون حسيب أو رقيب، يوزع الامتيازات على المقربين، ويحاصر غير المرغوب فيهم، حتى يختنقوا ويغادروا.
أما الشكاوى، فحدث ولا حرج فهي أبشركم تُدفن قبل أن تصل إلى أي جهة مختصة، وإن وصلت، تُواجه بجدار من التبريرات والالتفافات البيروقراطية.
وللأسف.. ليتها وقفت على الفساد المالي والتلاعب به، أو التوظيف العشوائي المترهل، بل أبعد من ذلك قد يظهر لكم أنها ممارسات يومية تبدو صغيرة لكنها مدمرة.
تأخير الترقيات المستحقة، ومنح الشلة المقربة قفزات، مرتبتين، يتلوها مرتبتين، ثم ترشيح، هووب فإذا هم فوق فضلًا عن فرض الولاءات الشخصية، حرمان المستحقين من حقوقهم، وكل ذلك تحت غطاء من الحجج الإدارية الواهية.
أما الأكثر خطورة فهو خلق بيئة تكرّس هذا السلوك، كيف؟
حيث يصبح من الصعب على النزيه أن يستمر دون أن يدفع ثمنًا، يراوح مكانه، بينما يترقى غيره ويزدهر نفوذه.
السعودية بمكانتها وريادتها، تخوض حربًا شرسة ضد الفساد بكل أشكاله، وعلينا جميعًا أن ندعم هذه الجهود، ليس بالإبلاغ فحسب عن المخالفات، بل برفض كل أشكال التواطؤ والتغاضي عن السلوكيات التي تهدم مؤسساتنا من الداخل.
وبهذا.. هل نعي تلك التحولات الهامة المصيرية تجاه محاربة تلك السلوكيات الهالكة؟ صدقوني وأنني أفتخر بجيل اليوم وأرفع العقال للجيل المربي لنا، بوعيكم ويقظتكم..
لذلك نكرر.. إن الشفافية والنزاهة ليست شعارات، نظل نرفع بها أصواتنا في المجالس، بل هي أساس أي مجتمع يريد أن ينهض ويتقدم، بفعل وإقدام وتكاتف.
والفساد مهما حاول الاختباء بيننا، لا يمكنه الصمود بأي شكل من الأشكال أمام القوة والإرادة الحقيقية للإصلاح.
https://www.okaz.com.sa/