جملة بمائة تشريع

لم تكن فرحة العيد هذا العام في المملكة كبقية الأعياد، إذ اقترنت بفرحة مزدوجة: عيد الفطر، وعيد القرار. ففي صباح اليوم الأول من شوال، وفي لحظة تختلط فيها المعايدة بالمسؤولية، اختار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يبعث برسالة مزدوجة للمواطنين: تهنئة بالعيد، وتوجيه بتحرير الأراضي في شمال العاصمة الرياض، كإجراء عملي مدروس يسهم في تخفيف أزمة السكن ويضع لبنة إضافية في مشروع الاستقرار الاجتماعي.
لكن اللافت لم يكن القرار بحد ذاته، رغم ثقله وتأثيره المباشر، بل في الجملة التي تزامنت معه، والتي أطلقها سموه بتلقائية تشبه عفوية حديث الأب لأبنائه:
«مصلحتي أن يكون المواطن السعودي راضياً كل يوم أكثر من اليوم الذي قبله».
جملة لا تحتاج إلى زخرفة، لأنها في ذاتها دستور، وفي طياتها تختصر فلسفة قيادة، وتلخّص نهج قيادة آمنت أن الاستدامة لا تُقاس فقط بالنمو، بل برضا المواطن واستقراره وأمانه النفسي والمعيشي.
هذه العبارة رغم بساطتها تتجاوز كونها أمنية شخصية من قائد لأبناء شعبه، إلى كونها موقفاً سياسياً واضحاً، يعكس جوهر التوجّه السعودي الجديد في عهد التحوّل. فحين يربط القائد مصلحته برضا المواطن، فهو لا يقول فقط «أنا مسؤول عنكم»، بل يقول ضمناً: «أنا لا أتصور نجاحي إلا من خلالكم». إنها شراكة متبادلة بين الحاكم والمحكوم، قائمة على التمكين ومصلحة المواطنين، وعلى التنمية التي لا تخلّ بالتوزيع العادل لعوائدها.
قراءة هذه الجملة في سياقها الزمني والسياسي تكشف أن القيادة السعودية، عبر مهندس نهضتها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لا تتعامل مع المواطن كمتلقٍ، بل كجزء من مشروع وطني متكامل. فقرار رفع الإيقاف عن التصرف في الأراضي، وما تلاه من حزمة توجيهات شملت تسعير الأراضي، وتخصيصها للمواطنين، وتنظيم سوق الإيجار، ومراقبة الأسعار، ليس مجرد استجابة لحالة آنية، بل هو تأكيد على أن الدولة تعرف مواطن الخلل وتتحرك نحو إصلاحها قبل أن تصبح أزمات متجذرة.
في السياسة، ليس هناك ما هو أبلغ من الصدق المتجرد من الادعاء. وهذه الجملة، التي خرجت من ولي العهد في لحظة احتفائية لا تُلزم القادة عادةً بإعلانات مصيرية، كانت كاشفة لما هو أعمق: أن القيادة تواصل العمل حتى في لحظات الراحة، وأنها لا تُجمّل الواقع، بل تواجهه، وتُعيد تشكيله بما يضمن ألا يكون المواطن مجرد رقم في تقارير النمو، بل هو المؤشر الأهم في قياس النجاح.
إن ما تضمنته هذه الجملة من دلالات، هو امتداد لتاريخ طويل من سياسات المملكة التي جعلت من «رضا المواطن» بنداً غير مكتوب لكنه راسخ في تقاليد الحكم. وما يفعله ولي العهد اليوم ليس سوى تجديد لهذا العهد، لكن بلغة العصر، وبأدواته، وبتشريعاته التي تستند إلى التخطيط لا الارتجال.
جملة واحدة قالها ولي العهد، لكنها توازي مائة تشريع. لأنها تختصر التوجه وتكشف النية وتؤطر السياسة العامة للدولة في عبارة لا تحمل التباهي، بل تعكس التبني الحقيقي لهموم المواطن.
ولأنها خرجت من القلب، دخلت إلى وجدان كل سعودي بعمق، وأعادت التأكيد على أن سموه، وهو يقود ملفات الاقتصاد، والسياسة، والتحوّل، لا يغفل عن أبسط تفاصيل الحياة اليومية للمواطن، ولا عن طموحه بأن يكون اليوم أفضل من الأمس، وغداً أكثر أمناً من اليوم.
وذلك، هو جوهر الحكم في المملكة منذ تأسيسها: أن يكون المواطن في قمة الأولويات، لا شعاراً يُقال، بل سياسة تُفعل. وسمو ولي العهد لم يعلن ذلك فقط، بل أثبته، وكرره، وعمل عليه.. بصدق.
https://www.okaz.com.sa/