دمج الحاضر بعبق الماضي لمستقبل مشرق

يعد تراث المملكة العربية السعودية العمراني أحد أساسيات التطور للعهد الجديد، وقد واكبت العناصر المعمارية التراثية العديد من التحديات المناخية، والاجتماعية بصورة جوهرية على مر الزمن.
كما أسفرت جولات الدراسات الميدانية التحليلية لمناطق المملكة العربية السعودية في مطلع عام ١٤٤١هـ حتى ١٤٤٦هـ عن وجود إرث معماري وإنساني أصيل يتركز في كل جانب من جوانبها، حيث يساهم في تعزيز كل من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر الإرث المعماري لمناطق المملكة أحد أهم نقاط القوة الاقتصادية.
لم تكن الرواشين في منطقة الحجاز هي المحرك الأول للهواء فحسب؛ بل تعاملت بصور ديناميكية مع حركة الضوء داخل الفضاء وتلبية الاحتياج الحضري بالكوابيل الخارجية كعنصر انشائي مما عزز وجوده في تثبيت الأجزاء الخارجية لخلق تكامل وضح بين الفضاء الداخلي والخارجي للمبنى. فقد عبّر وجود العديد من العناصر الهندسية حكاية قيمة من الترابط الوظيفي والجمالي للمنازل الحجازية يسردها روح الساحل الساحر بإطلالة معمارية من الزمن العتيق.
كما أرّخ الطوب تواجده الحي والمتين في تراث منطقة نجران، والذي صوّرَ التاريخ التراثي بطريقة فريدة يُعرف بها كل عنصر من عناصر المنزل النجراني ابتداء من الحجر، والطين، والأخشاب.
فقد تركزت العمارة في منطقة نجران على محاكاة الطبوغرافية والموقع الجغرافي، وشكّلت معظم العمارة جوهرها لثقافة القصور الجبلية وتقبّل أهالي المنطقة للعيش في المرتفعات والذي بدوره عززّ من محاكاة الإنسان للبيئةِ المحيطة.
لم يكن الإبداع في انخفاض السور الخارجي هي اللغة المعمارية الوحيدة التي يتحاور بها أهالي المنطقة الشرقية فحسب، كما كان للنقوش الخارجية منظر ترحيبي واضح، ومدخل للأصالة المعمارية في جذوع النخيل التي زُينّت الأسقف تناسباً مع الظروف المناخية الخارجية.
إن الطابع السائد في توزيع المساحة الحضرية لتلك المنطقة في المساجد، والقصور، والأسواق له أثر فنيّ واضح في تكوين العمارة التقليدية وتعزيز مخططها الهيكلي العمراني.
انتقالاً إلى الشمال لم يكن الحجر البازلتي والطين اللّبِن عنصراً أساسياً في عِمارة المنطقة الشمالية الحية فحسب فقد شكّل المتانة وجسد أثرها بتقويم البناء على أسس معمارية واضحة، واعتمدَ أهالي المنطقة الشمالية على تخمير الطين لبناء منازلهم بسواعد أبنائها، وكما عُرِف عنها بالكرم فقد أكرمت منازلها التراثية بالعديد من الزخارف الشعبية التي تعكس الانسجام التراثي والإرث المعماري في رمز عريق يعكس المكانة الاجتماعية لأهالي المنطقة الشمالية. من الجانب الآخر ترجمت الهوية المعمارية في المنطقة الجنوبية أبهى صور العمران، حيث تواجد الخشب بقوته في الأبواب الخارجية كما في الشبابيك الطولية، وتحليل المساحة الأفقية على أنها صغيرة نسبياً إلا أن للعناصر الرأسية ميزة في التباين والخصوصية. إن تعريف الانفتاح على الطبيعة في المنزل الجنوبي يكمن في تواجد الفناء الداخلي الذي بدوره يُضفي الكثير من الانسيابية في مواكبة المناخ وتهوية المبنى.
معرفة الأصالة التاريخية تخلق لدى الأجيال القادمة صورة معمارية واضحة لإرث حيّ يُمَكِّن الحاضر من دمج أُسسه الحديثة فخراً بالماضي ليستمر مجده كما في الذاكرة بعبق الماضي التليد لمستقبل مشرق جديد.
• علوم البناء في الهندسة المعمارية
0_med@
https://www.okaz.com.sa/