قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس
لم يكذب أو يبالغ بنيامين نتنياهو عندما وصف الرئيس دونالد ترمب بأنه أعظم صديق لإسرائيل في تأريخ البيت الأبيض، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعهما على هامش زيارته لواشنطن، فالرئيس ترمب يعد بأن يقدم لدولة الاحتلال ما لم يجرؤ على التفكير فيه رئيس سابق منذ قيامها، إنها الوصفة الترمبية السحرية: سيادة إسرائيل على الضفة الغربية واستيلاء أمريكا على قطاع غزة كملكية أمريكية طويلة الأمد، وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط. ولكن من سيعيش فيها يا فخامة الرئيس؟ يجيب بكل بساطة: ستكون موطناً لشعوب العالم.
يبدو بشكل مقلق جداً أننا إزاء نسخة ثانية متحورة من دونالد ترمب تتصف بالخطورة الشديدة. فكرة الاستيلاء والغزو تعيدنا إلى ما قبل قيام العالم الجديد والنظام العالمي الذي نشأ بإنهاء الاستعمار وتكوين الأمم المتحدة والقانون الدولي. الرئيس ترمب يعتقد أن الدول لا تختلف عن منتجع مارا لاغو يمكن الاستيلاء عليها ضمن صفقات، وإذا لزم الأمر بالقوة. هذه العقلية تشكل خطراً على العالم بأسره عندما تعشش في جمجمة رئيس أقوى دولة في العالم، بل إنها تشكل خطراً حتى على الدولة التي يقودها، لأن العالم لن يستسلم للتهديد وممارسات الفوقية والإملاءات المتعسفة.
لا نعلم كيف تفتق عقل الرئيس ترمب عن هذا الحل المتهور بتصفية القضية الفلسطينية تماماً، لا أرض ولا شعب، الأرض تتقاسمها إسرائيل وأمريكا، والشعب يرحل إلى دول أخرى. ولا ندري متى أجرى استفتاء لسكان غزة عندما يقول إنهم يودون الرحيل بشدة، أو كيف سيجبرهم على ذلك عندما يقول إنه ليس لهم بديل غير الرحيل، هذا يؤكد أن الرئيس ترمب جاهل تماماً بالتأريخ ودفاع الشعوب عن أراضيها وأوطانها ومقاومتها للاحتلال. كان عليه أن يتهجى أوضح درس بالنسبة لأمريكا، درس فيتنام. أما بالنسبة للشعب الفلسطيني فإنه يقاوم الاحتلال الإسرائيلي منذ ثمانية عقود، ولم تستطع الآلة العسكرية الإسرائيلية رغم جهنميتها كسر شوكته، ولولا الدعم الأمريكي الكامل المستمر لها لكانت الأوضاع مختلفة الآن.
وعندما يقول الرئيس ترمب، إنه سيحول غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط فإنه يتعدى على مشاعر الفلسطينيين وكل العرب في هذه الظروف المأساوية التي يعيشها سكان غزة، والأسوأ عندما يقول إن غزة ستكون موطناً لكل شعوب العالم. أهل غزة لا يريدون ريفييرا يا فخامة الرئيس، ولن يسمحوا بذلك، ولا تظنه سهلاً أن يحدث. يقول السيناتور كريس ميرفي عن ترمب بهذا الخصوص: «لقد فقد عقله تماماً. سيؤدي غزو الولايات المتحدة لغزة إلى مذبحة لآلاف الجنود الأمريكيين وحرب في الشرق الأوسط لعقود. إنها مثل مزحة رديئة». هذا بالفعل الذي سيحدث إذا تمادى ترمب في تهوره.
أما بخصوص الموقف العربي فإنه يتلخص في البيان السعودي، الذي صدر فور تصريحات ترمب، ومفاده: (أن موقف المملكة من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت لا يتزعزع، وقد أكد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، هذا الموقف بشكل واضح وصريح لا يحتمل التأويل بأي حال من الأحوال. هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السلام الدائم والعادل لا يمكن تحقيقه دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهذا ما سبق إيضاحه للإدارة الأمريكية السابقة والإدارة الحالية).
قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس.
https://www.okaz.com.sa/