مفتي المملكة يهنئ القيادة والمسلمين بحلول شهر رمضان

رفع سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإلى عموم الشعب السعودي الكريم، وإلى جميع المسلمين في أرجاء المعمورة، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، سائلاً المولى جل وعلا أن يجعله شهر خير وبركة وعز وتمكين، وأن يعيده على الأمة الإسلامية وهي تنعم بالأمن والإيمان والاستقرار والازدهار، وأن يوفق الجميع لصيامه وقيامه، وأن يتقبل من عباده صالح الأعمال.
وأكد سماحته أن بلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة تستوجب الشكر لله، فهو موسم للطاعات، ووقت مضاعفة الأجور، وفرصة لتجديد العهد مع الله بالتوبة النصوح، والعودة الصادقة إليه، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}، وقال النبي ﷺ: «يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة».
وأضاف سماحته أن المسلم ينبغي أن يستقبل رمضان بقلب صادق، وعزيمة مخلصة، وعمل صالح، حتى يكون صيامه وقيامه خالصًا لوجه الله، مؤكدًا في هذا السياق أن الأيام تمضي سريعًا، وما هي إلا لحظات قليلة حتى ينقضي الشهر، فمن فرّط فيه فقد ضيّع على نفسه فرصة عظيمة لنيل الرحمة والمغفرة.
وشدد سماحته على أن شهر رمضان هو شهر القرآن، حيث قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
وأضاف أن على كل مسلم أن يجعل من رمضان فرصة للإكثار من تلاوة القرآن، وحفظه، وتدبر معانيه، والعمل به، فهو شفيع لأصحابه يوم القيامة. ومن هذا المنطلق، ينبغي أن يكون لكل فرد ورد ثابت من القرآن، يسعى من خلاله إلى ختمه أو تحقيق أكبر قدر من التلاوة، حتى يتزود من نور كتاب الله خلال هذه الأيام المباركة.
ودعا إلى ضرورة استثمار هذا الشهر الكريم في ما يقرب العبد من ربه، والابتعاد عن كل ما قد يشغل عن الطاعة أو ينقص من أجر الصيام، مشيرًا إلى أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة تربوية عظيمة تهذب النفس، وتزكي الروح، وتربي المسلم على الصبر وكبح الشهوات، فقد قال النبي ﷺ: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو شاتمه، فليقل: إني صائم». وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي، يبرز دور الصيام في تهذيب الأخلاق، فهو لا يقتصر على الجسد، بل يشمل القلب واللسان والعمل، ولذلك ينبغي للمسلم أن يكون صيامه عبادة متكاملة، يحرص فيها على الإكثار من ذكر الله، وتلاوة القرآن، والابتعاد عن كل ما يفسد الصيام أو ينقص من أجره، ليحقق بذلك المقصد الأسمى للصيام.
وحثّ سماحته على أهمية الإنفاق في وجوه الخير، والسعي في تفريج كربات الناس، وبذل المعروف للضعفاء والمحتاجين، فقد كان النبي ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حيث كان يبذل الخير بلا حدود، ويسارع في تفطير الصائمين، ويحث على الصدقات، فقال ﷺ: «من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا». وبناءً على ذلك، فإن المسلم مدعوّ في هذا الشهر الكريم إلى الإحسان إلى إخوانه، والتوسع في الصدقة، والمساهمة في إدخال السرور على الفقراء والمحتاجين، فهذا مما يزيد من بركة الصيام، ويجلب رضا الله سبحانه وتعالى.
وفي ظل هذا الفضل العظيم، أكد سماحته خطورة إضاعة الوقت والانشغال بوسائل الترفيه التي قد تصرف المسلم عن استثمار شهر رمضان، موضحًا أن الكثير من الناس يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، أو ينشغلون بوسائل التواصل الاجتماعي على حساب عباداتهم وأعمالهم الصالحة.
ولهذا، فإن المسلم مطالب بأن يدرك أن الوقت في رمضان أغلى من أن يُهدر في ما لا ينفع، وأن يبادر إلى استثماره في الطاعات، واغتنام كل لحظة في ما يقرّبه إلى الله، حتى يكون من الفائزين في هذا الشهر الكريم.
كما أكد سماحته أن الدعاء من أعظم العبادات التي ينبغي الإكثار منها في رمضان، فهو مفتاح الخير، وسبيل لتحقيق الرحمات والمغفرة، حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ومن هذا المنطلق، ينبغي للمسلم أن يغتنم أوقات الدعاء المستجاب، مثل لحظات الإفطار، وأوقات السحر، وليالي العشر الأواخر، وأن يرفع يديه إلى الله طالبًا المغفرة والرحمة والقبول، وألا ينسى الدعاء لوطنه، ولولاة أمره، وللمسلمين جميعًا، بأن يرفع الله عنهم البلاء، ويوفقهم لما يحبه ويرضاه.
وفي ختام كلمته، سأل سماحته الله عز وجل أن يجعل هذا الشهر شهر خير ورحمة ونصر وتمكين، وأن يعين المسلمين على صيامه وقيامه، وأن يرزقهم القبول والمغفرة، وأن يديم على هذه البلاد المباركة أمنها واستقرارها ورخاءها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وأن يجزيهما خير الجزاء على ما يقدمانه لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يحفظ بلاد الحرمين، وسائر بلاد المسلمين، ويرفع عنها الفتن والمحن، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
https://www.okaz.com.sa/