أخبار الخليج

ابن زهير.. خريطة ملونة من الإنسانية

منذ ثلاثة أعوام وفي صبيحة أول يوم من رمضان؛ تعود بي الذاكرة إلى صفحات ذلك الرجل المضيء.. اللامع مثل الذهب.. الشامخ مثل النخلة.. المرتفع مثل الحصن.. شيخ شمل «قبائل كعب بني عمرو» الشيخ الراحل حسن بن زهير بن زائد آل وافي (توفي بسكتة قلبية في 15 رمضان 1443 أثناء وضوئه لصلاة العشاء والتراويح).

كيف لا أتذكر ذلك الرجل الذي يحمل فلسفة إدارية ماهرة، وإطلالة قيادية شامخة، وقيماً ومبادئ خالصة، وكلها تحمل وقاراً وصرامة وعطفاً وحناناً، ومجموع تلك الصفات تحمل خريطة ملونة من الإنسانية.

كيف لا أتذكر ذلك الإنسان الذي نفذ إلى قلوب قبيلته بإرخاء أشعته البيضاء في أدب جم، وأداء متميز، وحسٍّ راقٍ، فأصبح حديث مجالسهم.. حين يجلس معهم تعود إليهم الحياة لتدب في قلوبهم، وكأنه حديقة نضرة من الزهور.

كيف لا أتذكر ذلك الذي يأبى حضوره الطاغي إلا أن يكون ملء السمع والبصر في الزمان والمكان الذي يحلُّ فيهما، فكل من يعرفه عن قرب يعتقد أنه صديقه الحميم من فرط بشاشته وسماحته وتواضعه وأدبه.

كيف لا أتذكر ذلك الرجل الوطني الجذور والوراثة، الضرغام الجَسور المتتلمذ على يدي والده، آخذاً عنه جوامع سمات وصفات مكارم الأخلاق، ورجاحة العقل، وبلاغة الحديث، والحكمة والفطنة والخبرة وبُعد النظر، والأصالة في صواب الرأي.

نشأ في قصور والده العتيقة القائمة من الحجارة بقريته الريفية (عاكسة).. قصور تبوح بمجد المكان والزمان غير بعيدة عن محافظة النماص بعسير.. لم يكن شيخاً لقبائله وحسب؛ بل أيقونة من الإحسان والمروءة والشفاعة الحسنة وإصلاح ذات البين على نطاق واسع داخل قبائله وخارجها، تصافحك ابتسامته قبل أن تصافحك يمناه.

لا أخال أن أحداً لم يسمع أو يقرأ ما وثقه الرواة من الحضور الاستثنائي لذلك الشيخ المعطاء، كان يبذل وجهه وجاهه وجهده محتسباً لحلحلة الكثير من القضايا الخلافية برؤيته المسددة وحكمته الموفقة وصوته المسموع.

من يتحدث عن ذلك الرجل النحرير وأسرته لا بد أن يأخذه السياق إلى ضيافته الشهيرة بقصره العامر الذي نال شرف زيارات العديد من مناديب ولاة أمرنا؛ أمراء ووزراء في الكثير من المناسبات الوطنية والاجتماعية بقريته (عاكسة) التي جعل منها مركزاً حضارياً.. وفي سن مبكرة من عمره قاد قبيلته بجدارة وجسارة في مهمة «حرب القهَر» عام 1373 للهجرة.

نال ثقة وتقدير ولاة الأمر فكان جديراً بتلك الثقة والتقدير، فأنزلته الدولة المنزلة اللائقة به.. رحمه الله وأجزل له حسن الثواب على ما قدمه من جهود مخلصة خدمةً لوطنه ومجتمعه.

​https://www.okaz.com.sa/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *



زر الذهاب إلى الأعلى